مقالاتمنشورات وإصدارات

قراءة أولية في الخطاب

كتب عمر حلمي الغول
بعد غياب طويل، وقرابة الشهر من حرب الإبادة الأميركية الأوروبية الإسرائيلية على الشعب العربي الفلسطيني ظهر امس الجمعة الموافق 3 نوفمبر الحالي حسن نصر الله في كلمة طويلة استمرت ساعة و25 دقيقة، جال فيها على بعض المفاصل، منها: أولا إبراء الذات ومرجعيته الإيرانية من قرار الحرب، وهنا جانب الصواب امين عام حزب الله. لانه كان شريكا في تحديد ساعة الصفر، والمشاركة في الحرب من اللحظة الاولى؛ ثانيا التأكيد على ان حرب الدفاع عن النفس، هي حرب فريق فلسطيني بعينه، وهذه النقطة استكمالا للنقطة السابقة؛ ثالثا قراءة تداعيات الحرب الوحشية على قطاع غزة من جوانبها المختلفة الفلسطينية والإسرائيلية والغربية والاستفاضة بها؛ رابعا اسقط رغباته بانتصار احد اذرع المقاومة دون سواه، للاعتبارات التي حاول ان ينفيها، او التقليل منها، التي تتعلق بالاستثمار الإيراني للورقة الفلسطينية؛ خامسا أكد ان قوى محور المقاومة شاركت في الحرب ضمن امكانياتها، وهو ما يعني، ان شعار “وحدة الساحات” تجسد في “طوفان الأقصى” للتغطية على العجز الذي تمثل في حجم مشاركتها الصفري؛ سادسا اكد ان حزب الله شارك في الحرب من يوم الاحد الموافق الثامن من أكتوبر الماضي، ودفع قرابة 57 شهيدا، وأورد أهمية مشاركته من خلال سرد نتائج ذلك على جبهة العدو الإسرائيلي عسكريا وامنيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا؛ سابعا اكد على أولوية وقف الحرب، وتبادل الاسرى، وكأنه يقول لا نريد توسيع دائرة الحرب؛ ثامنا هدد وتوعد إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة والغرب عموما في حال تجاوزوا الضوابط المسموحة في مناوشات التشغيل المحدودة.
وهناك عدد آخر من النقاط، التي حاول فيها التأكيد أن حزب الله موجود في الحرب، وفي ذات الوقت، نفي صفة المشاركة فيها. لكنه خلص الى نتيجة حينما أشار بوضوح، ان كل السيناريوهات مفتوحة، وان تدخل الحزب مرهون بالانتهاكات الصهيو أميركية، وكأن لسان حاله، يقول “لا تحرجوني، ولا تورطوني في الحرب الدائرة”، ولهذا ابقيت دائرة المناوشة في حدود المسموح من قبلكم، وملتزم بمحددات القرار الدولي 1701، ووفق تعهدات النظام الإيراني بعدم تدخل الحزب في الحرب. وبالتالي احتمالاته الافتراضية تبقى تحت دائرة علامة الاستفهام واللا يقين بإمكانية سيناريو المشاركة في الحرب.
ما حمله خطاب نصرالله حمال أوجه، وقد يفتح شهية الولايات المتحدة والغرب الأوروبي وإسرائيل الاستفراد بقطاع غزة، ومواصلة حرب الأرض المحروقة، لهذا جميعهم اطلقوا تهديداتهم ووعيدهم بتدمير لبنان، واعادته لخمسين سنة للوراء في حال تدخل في الحرب، واوحوا له ضمنا، ان ما تقوم به حتى الان مقبول، ولا ضير من ان يبقى سقف المناوشات عند حدود ما هو قائم خلال الأسابيع الماضية، وبامكانك ان تدغدغ مشاعر أعضاء الحزب والجماهير العربية عموما والفلسطينية خصوصا بما تشاء من الكلمات الحماسية والعاطفية لامتصاص غضبهم وسخطهم لتأخرك عن التدخل المفترض، وفق وعودك السابقة.
من المؤكد لا احد من أبناء الشعب العربي الفلسطيني يريد توريط الشعب اللبناني في أي حرب، ولا يريد توسيع نطاق الحرب الإقليمية. ولهذا تعمل القيادة الفلسطينية على وقف الحرب فورا، وتأمين الحماية الدولية للشعب، ورفع الحصار الشامل عن قطاع غزة والضفة الفلسطينية بما فيها القدس العاصمة الأبدية، ومنع التهجير القسري لابناء الشعب من أراضي دولة فلسطين المحتلة، والذهاب للحل السياسي القانوني في آجال قريبة جدا، لإزالة مسببات الفوضى والإرهاب وجرائم الحرب الإسرائيلية الأميركية.
مع ذلك يمكنني فتح باب الاستشراف، بإمكانية ان تتدحرج الحرب، رغما عن امين حزب الله وسادته في طهران، ليس بقرار من الحزب، ولكن من تيار داخل الحزب، او من قوى فلسطينية موجودة في الجنوب اللبناني، او نتاج تداعيات وتعاظم لهيب الحرب، التي قد تحرج الحزب. لا سيما وان واشنطن وتل ابيب وعواصم الغرب الرأسمالي تنتظر أي ذريعة لفتح بوابة الحرب على لبنان لتحقيق اكثر من هدف، أولا لايقاع خسائر فادحة بالحزب وخاصة التيار الراغب بالتدخل وقوى المقاومة الأخرى؛ ثانيا تحذير أي قوى عربية من مجرد التفكير بالتورط في الحرب؛ ثالثا ارسال رسائل للقوى الإقليمية والعالمية بالتوقف عن التحريض على القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة ولقيطتهم إسرائيل المهزومة.
باختصار خطاب نصر الله لم يأت بجديد مفاجئ، رغم انه ابقى الأبواب مفتوحة لذر الرماد في العيون، ولايقاف عملية التشكيك في مصداقية الحزب ومن خلفه ايران واطراف ما يسمى محور المقاومة، ولارضاء القوى اللبنانية التي نادت بعد توريط لبنان في الحرب، التي خشيت من “اندفاع” نصرالله الى مآلات غير محمودة من وجهة نظرهم. وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى