مقالاتمنشورات وإصدارات

عدم الاستقرار السياسي والأمني بيئة جاذبة لجماعات التطرف والإرهاب

تشكل القارة الإفريقية منذ عام ٢٠١٩ ملاذا وبيئة استقطاب لجماعات التطرف والإرهاب بعد تراجعها بشكل كبير في العراق وسوريا، وأيضا بعد العديد من الانقلابات العسكرية على أنظمة الحكم فيها وكان أخرها في دولة النيجر الذي يشكل موقعها بعدا جيواستراتيجي لتلاقي الجماعات الإرهابية مثل جماعات تابعة للقاعدة(بوكوحرام)، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم داعش والذي أشار زعيمها أبو بكر البغدادي في أخرإصدار قبل مقتله أن”أفريقيا هي المستقبل القادم للتنظيم” .
في ظل عدم اليقين بمألات الانقلاب في النيجر فمن البديهي أن تعزز هذه الجماعات من وجودها في القارة بحكم عدم الاستقرار اللحظي وضعف البيئة الأمنية والاقتصادية فيها ، ناهيك عن كونها ساحة خلفية للصراعات الدولية بين روسيا والغرب ،الأمر الذي يبقي حالة التدهور مستمرة على المدى القريب والمتوسط .
يحمل هذا الصراع الدولي عوامل عدة تبقيه في حالة الاستمرارية نظرا لما تتمتع به هذه القارة من ثروات حيوية من النفط واليورانيوم والذهب وغيرها، بالإضافة إلى خطر تنامي أطماع الجماعات الإرهابية في استثمار التمدد والانتشار من اجل الحصول على هذه الثروات لتمويل أنشطتها الإرهابية.
من الملاحظ وجود تراجع في إرادة المجتمع الدولي لمواجهة خطر الجماعات الارهابية، لا سيما في ظل الانتشار الجغرافي لها، الأمر الذي من شأنه المساهمة في تعزيز نشاط هذه الجماعات مستقبلاً، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن نشاط هذه الجماعات يمتد من موزمبيق إلى المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وعلى سبيل المثال فقد أعلن تنظيم داعش عن تنفيذ ستمائة وسبعون عملية خلال السبعة شهور الأولى من عام 2023 في جمهورية موزمبيق.
هذا الخارطة لا يمكن تجاهلها من حيث خطورة الصراع القادم بالنظر لتنامي خطاب التحريض لا سيما في المواقع الرقمية للجماعات الإرهابية مستغلة هذه الانقلابات من ناحية التجنيد والاستقطاب ناهيك عن العمليات الارهابية المصاحبة لوجود بيئة غير مستقرة.
عوامل مساعدة أخرى في تأجيج الصراعات لا يمكن تجاهلها في القارة الإفريقية من حيث الفقر وضعف التنمية الاجتماعية، مع ضعف البيئة السياسية والأمنية والتي من شأنها أن تساهم في تعزيز فرص الجماعات الإرهابية في الساحة الإفريقية مع تراجع المواجهة لها سواءا دوليا أو حتى إفريقيا نظرا لتكرار نموذج الانقلابات فيها.
هذه الحالة التي تعيشها إفريقيا ليس بمعزل عن الواقع العالمي الذي يشهد صراعات دولية تساهم في إنهاك هذه الدول، ناهيك عن تراجع الفعل الدولي في مواجهة خطر الجماعات الإرهابية نظرا لتراجع المصالح الإستراتيجية المشتركة والتي تنظر لها كل دولة على حدا بما يخدم مصالحها وأولوياتها العامة والخاصة.
في نظرة مستقبلية و في ظل الصورة القاتمة والتي لا زالت الدول العظمى وغيرها تغفل النظر إليها بشكل مباشر،يستدعي إعادة تفعيل إستراتيجية مكافحة الإرهاب بالنظرلحجم التهديد القادم والمستمر من خطر الجماعات الإرهابية وتقديم مصلحة المجتمع الدولي ككل حفاظا على الأمن والاستقرار الدوليين، وفتح الآفاق أمام برامج تنمية مستدامة من شأنها أن تحول دون نجاح الجماعات الإرهابية من التمدد والانتشار .

د.أسامة خالد

باحث في معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي -وحدة دراسات التطرف والإرهاب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى