منشورات وإصداراتمقالات

بين خطة السلام ومأزق الحل: تفاعلات الدور الأميركي، الموقف الإسرائيلي، والحراك الدبلوماسي العربي تجاه القضية الفلسطينية

شهدت المنطقة خلال اليومين الماضيين نشاطاً دبلوماسياً امريكياً مكثفاً جاب عواصم المنطقة ومراكز صنع القرار لتثبيت خطة ترامب، والدفع قدماً نحو البدء بتنفيذ إجراءات المرحلة الثانية في قطاع غزة. فقد زار مهندسا الصفقة، ويتكوف وكوشنير، إسرائيل لعقد اجتماعات مع قياداتها، تلاهما نائب الرئيس الأمريكي فانس، ثم وزير الخارجية روبيو. جوهر هذه النقاشات تركز حول الطلب من نتنياهو إعطاء فرصة لخطة ترامب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنح الضوء الاخضر للانتقال الى تنفيذ بنود المرحلة الثانية الاكثر تعقيداً.

ترامب الذي دفع بجيش من الدبلوماسيين الامريكيين للمنطقة لاستكشاف من اين ستبدأ المرحلة الثانية. شدد طاقمه الدبلوماسي الرفيع على ان واشنطن تنظر لاسرائيل بإعتبارها حليفاً استراتيجياً موثوقاً، وليست النجمة الــ 51 على العلم الامريكي كما حاول بعض اقطاب المعارضة الاسرائيلية تسويقه. لكنهم في الوقت نفسه، حذروا نتنياهو من إثارة غضب ترامب في حال قيامه بخطوات منفردة تفشل جهود وقف إطلاق النار المترنح أصلاً. وانخرطوا في نقاش مركز حول المرحلة الثانية للخطة، بما فيها نشر القوات الدولية، شكل حكومة التكنوقراط، مصير سلاح حماس وأنفاق غزة…؛ كانت هذه على ما يبدوا الخطوط العريضة المطروحة للنقاش بين الطرفين.

لكن، نتنياهو المُتمرد حتى على بنود الخطة التي ساهم في صياغة معظم بنودها مع مبعوثه ديرمر؛ وادخل تعديلات جوهرية على ما تبقى منها قبل إعلانها، لا يستسلم بسهولة للضغوطات. وأظهر موقفاً صارماً تجاه بنود المرحلة الثانية من الخطة، حيث وضع ثلاثة شروط أساسية تعكس خطوطه الحمراء الجديدة. وفقاً للقناة 12 الإسرائيلية، تضمنت هذه الشروط: أولاً، دور رئيسي لإسرائيل في تحديد جنسيات القوات الأجنبية المشاركة في القوة متعددة الجنسيات في القطاع، مع رفض قاطع لأي مشاركة تركية. ثانياً، استخدام حق الفيتو ضد أي دور أو ارتباط لحماس في حكومة التكنوقراط الجديدة المزمع تشكيلها في غزة. ثالثاً، رفض انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع قبل ضمان نزع السلاح بالكامل والتأكد من عدم وجود أي تهديد مستقبلي لإسرائيل. وعاد نتنياهو من جديد للتأكيد على رفضه القاطع لأي دور للسلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، الامر الذي وضع الإدارة الأمريكية امام موقف سياسي معقد.

في هذا السياق، يعكس التصريح الأمريكي الوارد على لسان نائب الرئيس فانس في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في مركز التنسيق الأمريكي-الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في كريات جات، موقفاً واضحاً تجاه بعض خطوط نتنياهو. حيث أكد أن الولايات المتحدة لن تفرض على إسرائيل قبول نشر قوات أجنبية على “أراضيها”، مشيراً إلى أن أي وجود للقوات على الأرض في غزة يجب أن يحظى بموافقة إسرائيل. وأضاف أن حماس، في حال عدم تعاونها، ستواجه عواقب وخيمة، بما في ذلك القضاء عليها، مع التشديد على ضرورة نزع سلاحها واتباعها نهجاً يتسم بالمسؤولية والانضباط، وفقاً لموقع The Times of Israel

المواقف المتسقة بين الحليفين الاسرائيلي والامريكي، دفعت على ما يبدو نحو الانتقال الى الخطة B، التي أعلن عنها كوشنير؛ والتي تنص مبدئياً على تقسيم قطاع غزة الى قسمين – غزة الشرقية حيث تسيطر اسرائيل على 53% من مساحتها، وغزة الغربية حيث تسيطر عليها حماس. وأعلن كوشنير “عدم تخصيص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها حماس”، كاشفاً عن، “مناقشات جارية حول كيفية بدء إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي في القطاع”، وفقا لصحيفة The Wall Street Journal. مثل هذا الاعلان، لا يمكن لعاقل قراءته بإعتباره اجتهاد شخصي دون الموافقة المبدئية من قبل نتنياهو والتأكد من إقراره من قبل الرئيس ترامب لاحقاً.

رؤية كوشنير الجديدة المتعلقة بشطر قطاع غزة واليات الانتقال إلى تنفيذ بنود المرحلة الثانية وفق شروط نتنياهو، واجهت تحديات كبيرة على المستوى الإقليمي. حيث أظهرت كل من السعودية والإمارات رفضاً واضحاً تجاه المشاركة في إدارة غزة، مشترطتين أن تكون السلطة الفلسطينية جزءًا أساسيًا من أي ترتيبات مستقبلية، هذا الموقف يعكس التزاماً صارماً بدعم الحلول التي تضمن حقوق الفلسطينيين وتؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، مع رفض العودة إلى الأوضاع التي كانت قائمة قبل 7 أكتوبر 2023؛ وفقاً لقناة N12.

الجسر الجوي للدبلوماسية لم يقتصر على وفود واشنطن، بل رافقه تحرك دبلوماسي عربي وفلسطيني متزامن، في هذا الإطار، قام رئيس جهاز المخابرات المصرية بزيارة إلى إسرائيل للمرة الأولى منذ بداية الحرب، والتقى برئيس الوزراء نتنياهو للتأكيد على الموقف المصري. بالتوازي، استضافت القاهرة نائب رئيس دولة فلسطين حسين الشيخ، ومدير المخابرات العامة الفلسطينية اللواء ماجد فرج، لإجراء مشاورات مع المسؤولين المصريين بهدف تنسيق المواقف العربية ووضع رؤية موحدة للمرحلة التالية. وفي سياق متصل، استمرت كل من تركيا وقطر في اتخاذ مسارات مختلف عن التوجه العربي والاوروبي الموحد.

خطة ترامب ليست بقرة مقدسة لا يمكن المساس بها، لكن مواقفه المتقلبة وقراراته المفاجئة هي ما يجب التنبه اليها. عند التدقيق في تطورات الموقف، انتقل نتنياهو من المطالبة بتسليم الأسرى والجثث كشرط للانسحاب الكامل من قطاع غزة إلى المطالبة بسحب السلاح من القطاع وإنهاء حكم حماس، وهو ما ترفضه الحركة بشكل قاطع. في المقابل، يبدو أن خطة ترامب تشهد تعديلات جوهرية، حيث انتقلت من موقف عدم السماح لإسرائيل بضم أجزاء من القطاع إلى السماح بشطر أكثر من نصفه والسيطرة عليه، دون تحديد مواعيد واضحة للانسحاب.

في المحصلة، يبدو ان الوضع القائم الان وجديد رؤية كوشنير بتقسيم القطاع شرقاً وغرباً، يروق لنتنياهو ويخدم مصالحه داخلياً وخارجياً. داخلياً، يضمن استمرار سيطرة إسرائيل على أكثر من نصف مساحة القطاع، ويحول دون عودة السلطة الفلسطينية إلى الحكم، مما يعزز تحالفه مع القوى اليمينية المتطرفة. كما يسعى إلى إبقاء الحصار مشدداً على غزة الغربية، ما يعيق جهود الإعمار وبالتالي يُبقي خيار التهجير مطروحاً. خارجياً، يقدم نتنياهو نفسه كشريك موثوق مع الإدارة الأميركية، وانه ليس الطرف المعطل لخطة ترامب، بل على العكس يعمل على تهيئة الظروف المناسبة لبدء تنفيذ ريفييرا ترامب في القسم الشرقي للقطاع. هذه الاستراتيجية تتيح له التوجه إلى الانتخابات المبكرة بقاعدة دعم قوية، مستفيداً من تعطيل أي تقدم نحو حل الدولتين. وحالة الغموض السائدة في القطاع بين اللاحرب واللاسلم.

بروفيسور عوض سليمية

بروفيسور عوض سليمية، باحث في العلاقات الدولية ، ومدير وحدة الابحاث والدراسات الدولية، ومستشاراً أكاديميأ لمدير معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى